الديانة اليهودية بين حقيقة تاريخها وزيفه
القاهرة ـ فيصل حماد
رغم ان اليهودية اقدم الديانات السماوية الثلاث الا انه مازال يكتنفها الكثير من الغموض واللبس ولا يعرف عنها الا القليل حيث ان اتباعها بقوا طوال التاريخ منغلقين على أنفسهم داخل مجتمعات عاشوا بداخلها.
من هنا تأتي اهمية الدراسة التي اعدها الدكتور محمد بحر عبدالمجيد استاذ الدراسات السامية والعبرية واصدرها مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، عن اليهودية.
والدراسة التي نحن بصددها تقدم وصفا شاملا عن عقائدها وكتبها المقدسة والعبادات اليهودية والمواسم والاعياد الدينية اليهودية.
يبدأ الباحث بتعريف اليهودية على انها احدى الديانات السماوية واليهودية اسم يطلق على ديانة بني اسرائيل وقد نزلت هذه الديانة على النبي موسى عليه السلام وقد تلقى الوحي على جبل سيناء وهو في طريق عودته من مدين الى مصر.
وساهمت اجيال عديدة في تطوير وتكوين فكر وشريعة وطقوس هذه الديانة، اذ يتدخل الدين في كل صغيرة وكبيرة من شئون حياة الفرد اليهودي ويحدد مساره في حياته العامة والخاصة ويوضح له طريق معاملاته مع ابناء ديانته ومع غيرهم.
ولليهودية كتاب مقدس هو التوراة الذي انزله الله على موسى عليه السلام. وهناك كتب اخرى وحكمة وشعر وشريعة وقد اختلف اليهود حول قدسية بعض هذه الكتب وتفرقوا فيها فرقاً ومذاهب، عبر العقائد عند اليهود وموضوعات مثل الكهنوت والالوهية والنبوة والوصايا العشر.
الاله في اليهودية
اختلف العلماء في بواعث العقيدة الدينية لدى الانسان ولكن معظم العلماء يعللون العقيدة الدينية عند بني البشر بضعف الانسان ويعتبرون ان غريزة الخوف اصل الاعتقاد بالارباب واذا رجعنا للعهد القديم وهو المصدر الاساسي في دراسة تاريخ الديانة اليهودية وجدنا ان الكلمات المختلفة التي عبر بها عن الرب تدل معظمها على القوة وهذه الدلالة تدل على ان الباعث الاساسي للعقيدة الدينية لدى اليهود كان الضعف فاصطنع اليهود في كتاباتهم الوضعية الهاً قوياً يكون لهم سندا ومعينا في الملمات وفي ساعات الخطر يدعونه ويناجونه ويستبصرونه في غوامض الأحداث وفي كل احتياجاتهم النفسية والجسدية.
وتصورت اليهودية في مرحلة متقدمة من تاريخها الاله في قوى الكون الطبيعية والاحياء التي تؤثر على حياة الانسان ان نفعا او ضررا وقد عرف اليهود عبادة الاسلاف متأثرين في ذلك بمعتقدات بعض الشعوب التي عاشوا بينها فقد سموا بقبور الاجداد وقدموا الى هذه القبور القرابين في مناسبات معينة كما يشير اشعياء في الاصحاح 65 الفقرة الثالثة والرابعة كما اعتبروا القبور مزارات تقام بجوارها طقوس معينة والاعتقاد ان أرواح بعض الموتى تعلوا الى مكانة ربانية والى درجة تقترب من درجة الالوهية كما يتضح لنا من الفقرة «5» اصحاح 24 من سفر التكوين.
ونظر اليهود انذاك الى الاله كانتماء قبلي فنظروا اليه كفرد من أفراد القبيلة التي ينتمون اليها بصلة الدم فهو لهم بمثابة الاب فكان هذا النوع من الطوطمية.
ويشير مصدر من مصادر العهد القديم الى ان الاله لم يكن معروفا باسم يهوه قبل موسى عليه السلام بينما يشير مصدر اخر الى ان يهوه كان معروفا لدى العبريين منذ عهود سحيقة ومما يدعم الرأي الذي يقول ان يهوه لم تعرفه اليهودية كاسم للاله اننا لا نجد اسماء عبرية تقترن بيهوه قبل موسى وانما نجد اسماء كثيرة تقترن بجزء من هذا الاسم بعده. ويهوه كما يظهر الدين اليهودي في صورته الحالية اله متعصب ينصرهم ظالمين او مظلومين ويحلل لليهود خداع الغير وسرقة مالهم ففي سفر الخروج الاصحاح الثالث الفقرة 21، 22 يأمر اليهوديات بسلب جاراتهن المصريات ليلة الخروج من مصر ولم يكن لتسليم شعبه الى اعدائهم قط حتى ولو كان شعبه هو المخطيء اللهم الا اذا اخطأ هنا الشعب في حق يهوه فإنه في هذه الحالة يسلمه الى العدو وينسب اليهود الى يهوه صفات الانسان وحركاته واحاسيسه فهو اله يغضب ويثور ويندم ويحزن كما في سفر التكوين.
كما تبين ان تصور اليهود للرب في مرحلة من مراحل تاريخ اليهودية لا يختلف كثيرا عن تصور الأمم الاخرى التي عاشوا بينها لألهتهم رغم جهود الانبياء لتصحيح العقيدة اليهودية من شوائب المعتقدات الوثنية التي زجها اليهود انفسهم في عقيدتهم من أديان الشعوب التي عاشوا بينهم ممثلا في سفر التكوين 218: والعدد 28 / 10: اشارة الى ان الاله يتغذى ويتمتع برائحة اللحم المشوي.
وقد نادى موسى عليه السلام بعقيدة التوحيد ولكن لم تستمر هذه العقيدة طويلا فقد كفر اليهود بالعقيدة التي نادى بها نبي الله موسى عليه السلام وهو مازال على قيد الحياة كما تقر نصوص العهد القديم ففي سفر الخروج 632 ـ 1: ولما رأى الشعب ان موسى ابطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له قم اصنع لنا اله تسير امامنا.. الخ وبعد موسى عليه السلام اثمرت جهود الانبياء وبدأت اليهودية تأخذ طابع التوحيد مرة ثانية على يد انبياء القرن الثامن والتاسع ق. م.
ان فكرة الكهنوتية لم تكن من اختراع اليهود بل هي تقليد لما كان في العبادات الوثنية فقد اعتقد اليهود في مرحلة متقدمة من تاريخهم متأثرين بالشعوب التي عاشوا بينها ان للاله رغبات لا يستطيع ان يعرفها الاشخاص العاديون انما هناك من لهم القدرة على فهم اللغة الالهية التي كانت عبارة عن علامات لا يستطيع عامة الشعب فهمها ولم تكن مهمة الكاهن تقتصر على اقامة الشعائر الدينية بل كانت تتعدى الى مهمة تعليمية فقد كان الكاهن يعلم التوراة ويقوم بالافتاء في امور الدين وكتابة نصوص العهد القديم وتقديم القرابين واقامة العبادات في المعبد.
والكهنة هم المسئولون عما في الديانة اليهودية من عقائد وثنية نقلوها عن الشعوب التي عاشوا بينها كتقديس بعض المرتفعات وبعض انواع الاشجار كشجر البلوط وبعض الشواهد، واقتبس الكهنة من الوثنيين كثيرا من شرائعهم واحتفالاتهم واعيادهم وطقوسهم ولعب الكهنة دورا كبيرا في توجيه نصوص العهد القديم وشرائعه الى الوجهة التي تتفق مع مصالحهم وقد حددت نصوص العهد القديم واجبات وحقوق الكهنة فمثلا الاصحاح الاول لسفر اللاويين يشرح كيفية تقديم القرابين ويحدد اسفار اخبار الايام الاول الاصحاح السادس عشر الفقرات 4 ـ 6، 27 الخ توزيع بعض الوظائف بين الكهنة وكان الكاهن يعتبر الحافظ للشريعة من الضياع.
الوصايا العشر
اما الوصايا العشر حسب ما ورد في العهد القديم فقد نقشت على لوحين من الحجر يسميان بلوحي العهد او الشهادة وكان اللوح الاول يشمل خمس وصايا تختص بواجب اليهودي نحو الاله والوالدين واللوح الثاني يشمل خمس وصايا تختص بواجبات الفرد نحو الاخرين من بين البشر وثلاث من الوصايا اوامر وسبع نواه والوصايا هي: ـ انا الرب الهك الذي اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية لا تكن لك الهة اخرى امامي.
ـ لا تصنع لك تمثالا منحوتاً ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الارض من تحت وما في الماء من تحت الارض لا تسجد لهن ولا تعبدهن ولأني انا الرب الهك افتقد ذنوب الاباء في الابناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي واصنع احسانا الى الوف من محبي وحافظي وصاياي.
ـ لا تنطق باسم الرب الهك باطلا لان الرب لا يبريء من نطق باسمه باطلا.
ـ اذكر يوم السبت لتقدسه ستة ايام تعمل وتصنع جميع عملك واما اليوم السابع ففيه سبت للرب الهك لا تصنع عملا ما انت وابنك وابنتك وعبدك وامتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل ابوابك.
ـ اكرم اباك لكي تطول ايامك على الارض التي يعطيك الرب الهك.
ـ لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور، لا تشتهي بيت قريبك ولا تشتهي امرأة قريبك ولا عبده ولا امته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك.
والوصايا حسب ما يعتقد اليهود كلمات الرب لموسى عليه السلام على جبل سيناء وتوحي النصوص في العهد القديم تارة انها وصلت الى موسى مكتوبة وتارة مسموعة وتوجد نسختان من هذه الوصايا تختلفان بعض الشيء نسخة في سفر الخروج من الاصحاح الخامس الفقرات 2 ـ 17، ونسخة في سفر التثنية في الاصحاح الخامس الفقرات 6 ـ 21 وعلاوة على هاتين النسختين فهناك بعض الفقرات تتضمن مضمون الوصايا مثل الاصحاح 34 من سفر الخروج الفقرات 10 ـ 26 ففي هذه الفقرات نهي عن عبادة الالهة الاخرى وتحريم نحت التماثيل وامر بالراحة يوم السبت ومما لا شك فيه ان هذه الوصايا بصورتها الحالية لا يمكن ان ترجع الى عهد موسى لان الوصايا تناقلتها الاجيال وعدلوا فيها وحرفوا فيها والا لما كنا نجد اختلافا بين نسختي الوصايا في الخروج والتثنية.
والواقع ان الوصايا التي بين ايدينا تمثل اكثر من عقلية ويظهر ذلك في تعليل سبب الراحة يوم السبت فسفر الخروج يعلل ان الراحة «لان الرب صنع السماء والارض والبحر وكل ما فيها في ستة ايام واستراح في اليوم السابع لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه» خروج 20 وهذا بالطبع يتناقض مع صفات الالوهية فالله سبحانه وتعالى أجل وأقدس مما يزعم اليهود.
وتحديد يوم السبت في الوصايا كراحة لا يمكن ان يرجع الى عصر موسى فوجود يوم للراحة في الحياة البدوية ليس له اي معنى وانما تحديد يوم للراحة يكون ضروريا في مجتمعات مدنية، فاليهود في صحراء سيناء لم يعرفوا يوما معينا يستريح فيه الفرد ومما يؤيد ان تحديد هذا اليوم لم يكن اساسا من أسس اليهودية بل فكرة دخيلة على اليهودية ان بعض الانبياء كانوا لا يرون ضرورة تقديس السبت «اشعياء» والواقع ان الوصايا العشر لا تعبر عن وجهة نظر الانبياء بل تعبر اكثر عن وجهة نظر الكهنة ولو ان الوصيتين الخامسة والسادسة تؤكدان مباديء اخلاقية تشبه تعاليم الانبياء التي كانت تعتبر التعاليم الخلقية جزءا لا يتجزأ من الديانة بهدف حياة افضل للمجتمع ولكن المباديء الخلقية في الوصايا التزام ديني للرب وليس للمجتمع ولغة اسلوب الوصايا تشبه لغة وأسلوب نصوص المصدر الكهنوتي والمصطلحات الفنية والصياغة القانونية تشبه الى حد ما الصيغة القانونية لقوانين الامم التي عاش اليهود بينها كالبابليين وفكرة التوحيد في الوصايا لا تصل الى درجة الكمال فتعترف الوصية الاولى والثانية ضمنا بوجود الهة اخرى «لا يكون لك الهة اخرى امامي» انا الرب الهك اله غيور كما ان اول اشارة للوصايا العشر في نصوص العهد القديم كانت حوالي سنة 550 ق. م في سفر للاويين الاصحاح التاسع عشر وتدل هذه الفقرات ان الوصايا لم تكتب في عهد موسى عليه السلام حيث لم يكن هناك الا اله واحد لا شريك له ولكن كانت بعد ان عاش اليهود بين امم اخرى لها معبوداتها الوثنية اما الوصايا الخاصة بالقتل والزنا والسرقة فهي وصايا لازمة لتنظيم اي مجتمع في اي بيئة ونجد مثلا هذه الوصايا عند البابليين والمصريين وغيرهم.
واليهود يعتبرون ان الوصايا في صالحهم وحدهم دون غيرهم. فالوصايا التي تعود بالضرر لا تخصهم بل تخص غير اليهود بمعنى ان الوصايا تطبق اذا عادت بفائدة على اليهودي ضد غيره ولكن لا تطبق اذا كان الضرر يقع على اليهودي وفي ذلك يقول التلمود «اذا سرق اولاد نوح شيئا ولو كان تافها فانهم يستحقون الموت لانهم قد خالفوا الوصية اما اليهودي فمسموح له ان يضر الغير» وأهمل اليهود كثيرا من الوصايا وذلك لان بعضها لا يساير العصر وقد ادخل حكماء بني اسرائيل تعديلات على بعض الوصايا بما يتفق مع مصالحهم واهوائهم التي تكون بالطبع على حساب غيرهم من الامم الاخرى.
التوراة والتلمود
يشير الباحث الى ان اليهودية تستقي اصولها وشرائعها من كتابين اساسيين الاول العهد القديم او التوراة الكتابية والثاني التلمود او التوراة الشفوية.
واول اقسام العهد القديم التوراة وهذه الكلمة تعني تعاليم الشريعة وتتكون التوراة التي بين ايدينا اليوم من خمسة اسفار التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية ويسمى اليهود كل سفر من هذه الاسفار بكلمة او اكثر من الفقرة الاولى منه ولكن تسمية هذه الكتب بالتكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية تسمية حسب الموضوع الذي يتناوله كل سفر. وتتضمن اسفار التوراة تاريخ اليهود منذ بدء الخليقة الى فترة الوجود في سيناء وتشتمل على وصايا وتعاليم شرعية كالعبادات والصلوات والنذور والقرابين وواجبات الكهنة وحقوقهم وتجعل التوراة قصص تاريخ بني اسرائيل اساسا للتشريع وربما كان هذا سبب تسمية هذا الجزء من العهد القديم بالتوراة.
ويزعم اليهود ان التوراة التي بين ايدينا اليوم كتبت ايام موسى عليه السلام. وهذا افتراء على الله وعلى موسى عليه السلام. ويستند اليهود في ادعائهم ان التوراة ترجع الى عهد موسى عليه السلام على اراء تقليدية نقلها الخلف عن السلف اعتمادا على نصوص وردت في العهد القديم والتلمود. بينما تنفي نصوص التوراة نفسها ادعاء اليهود بان التوراة التي بين ايدينا من عهد موسى عليه السلام فالفقرة الحادية والثلاثين من الاصحاح 36 من سفر التكوين وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا في ارض ادوم قبلما يملك ملك لبني اسرائيل. اي كاتب هذه الفقرة عاش بعد ان عرف بنو اسرائيل نظام الملكية ومعروف ان بني اسرائيل عرفوا الملكية بعد موسى عليه السلام بأكثر من قرنين.
وثالث اقسام العهد القديم المكتوبات وهذا القسم يشتمل على اسفار طابعها تاريخي مثل سفر اخبار الايام وعزرا ونحيما واسفار تتضمن تراثا ادبيا معظمه شعر مثل ايوب والامثال والمزامير ومراثي وارمياء ونشيد الانشاد ويشتمل هذا القسم على موضوعات فلسفية مثل سفر ايوب وعلى ادب حكمه مثل سفر الامثال وعلى ابتهالات وصلوات كالمزامير وعلى أشعار رثاء، وهناك مجموعة من الاسفار في المكتوبات تتضمن مسائل فلسفية من اهمها سفر ايوب اذ يعالج مسألة الخير والشر والسعادة والتعاسة.
والكتاب المقدس الثاني عند اليهود وهو التلمود وهو عبارة عن كتاب فقهي يضم شريعة اليهود ويقولون عنه «كل بو» اي كل به بمعنى انه يشتمل كل ما يمكن للانسان اليهودي ان يسأل عنه من شريعة دينه وتعتقد طائفة من اليهود انه كتاب مقدس لا يقل في قدسيته عن العهد القديم ويؤمن هؤلاء الذين يقدسونه اعتقادا منهم بأنه نصوص اوحاها الرب الى موسى عليه السلام ويدعون ان الرب اوحى اليه توراة كتبت وهي التي تتمثل في الكتب الخمسة وتوراة شفوية تناقلتها الاجيال المختلفة من عهد موسى عليه السلام الى عهد يهودا الذي قام بتسجيلها وقد بنوا معتقدهم هذا على الفقرة 27 من الاصحاح 34 من سفر الخروج الذي تقرأ فيها عبارة «عل بي» وفسرها على انها تعني مشافهة في حين انها تعني حسب. ويعتقد اليهود الذين يؤمنون بقدسية التلمود ان الشريعة التي يتضمنها التلمود تناقلتها اجيال مختلفة من عهد موسى عليه السلام الى ان جاء فريق من العلماء يطلق عليهم «التنائيم» وقاموا بتنسيق وجمع نصوص سميت المشنا.
وظهرت عدة نسخ من المشنا اقترنت كل نسخة منها باسم العالم الذي بذل مجهودا في جمعها مثل مشنا عقيبة ومشنا ميئير وجاء حين من الدهر استلزم وجود نسخة نموذجية تعتبر دستورا شرعيا وقام بعمل هذه النسخة يهودا الناس «217 ـ 132م » بمساعدة بعض معاصريه من فقهاء اليهود وقد قسمت النصوص الفقهية الى ستة موضوعات رئيسية ويشغل كل موضوع قسماً يتكون من عدة مباحث وكل مبحث ينقسم الى فصول وكل فصل الى فقرات بمثابة مواد قانونية.
اما القسم الثاني من التلمود فيسمى مواعيد وهو خاص بالمواسم والاعياد والطقوس التي تقام للاحتفال بالمناسبات الدينية ويتألف من 12 مبحثا مثل يوم السبت حيث خصص له التلمود مبحثا خاصا لما له من اهمية خاصة عند اليهود اورد فيه ما يجب على اليهود ان يعملوه من ساعة غروب الشمس يوم الجمعة الى غروب شمس السبت حيث تحرم الشريعة اليهودية عمل اي عمل او ايقاد النار في ساعات السبت ويعتبر هذا المبحث تفصيلا لما ورد في العهد القديم من فقرات لتقديس هذا اليوم. وقد حاول المشرعون سد اي ثغرة في التشيع يمكن ان تكون عذرا لخرق شريعة منع العمل يوم السبت.
ومن الاعياد التي شملها قسم مواعيد ايضا عيد الفصح ويوم الغفران ورأس السنة والصوم والمباح والمحرم في المراسم والاحتفالات الدينية اما القسم الثاني من التلمود فيسمى ناشيم وتتناول مباحث هذا القسم القوانين والشرائع الخاصة بالاسرة وعلاقة الزوجة والزوج ويتكون من سبعة مباحث.
والقسم الرابع من التلمود يسمى نزاقيم بمعنى اضرار ويختص هذا القسم بالخسائر والاضرار والشرائع الخاصة بالتعويضات ويتألف من عشرة مباحث.
واما القسم الخامس المسمى قوداثيم بمعنى مقدسات فيشتمل على القوانين الخاصة بالقرابين وانواعها ومناسباتها وما يخص الكهنة ومراسيم تقديمها واعيادها ويتألف من احد عشر مبحثا.
أما القسم السادس والأخير ويسمى طهوروت فيختص بمسببات النجاسة ووسائل الطهارة ويشتمل على اثنى عشر مبحثا ـ مثل نجاسة الادوات والأمتعة والمساكن ومرض البرص والعادة الشهرية.
ويتكون التلمود من نص قانوني يسمى المشنا وثروح على هذا النص تسمى الجمارا وكتب المشنا باللغة العبرية ولكنه يتضمن بعض العبارات الارامية اما الجمار كتبت باللغة الارامية متضمنة بعض العبارات العبرية وتوجد نسختان من التلمود نسخة من عمل حكماء اليهود في بابل ويسمى التلمود البابلي ونسخة من عمل حكماء اليهود في فلسطين ويسمى التلمود الاورشليمي.
العبادات
العبادات في اليهودية تأتي في مقدمتها الصلاة التي يمكن ان تكون في أي مكان ولكن يفضل ان تكون في القدس وتكون القبلة المعبد ولابد ان تكون قبلة اليهود الذين لا يعيشون في القدس ولم يكن في باديء الامر هناك اوقات محددة للصلاة ولكن الاصل في الصلاة ان تكون فردية ولكن تطورت مع الزمن واصبحت اليهودية تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد.
ولاعتبار الصلاة جماعية لابد ان تكون الجماعة عشرة رجال اعمارهم تزيد على ثلاث عشرة سنة وتكون صلاة الصبح من الفجر الى حوالي ثلث النهار «ارتفاع عمود النهار» وتسمى «شحريث» وصلاة بعد الظهر بعد ان تنحرف الشمس من نقطة الزوال الى قبيل الغروب وتسمى «منحة» وصلاة المساء من بعد غروب الشمس الى طلوع الفجر وتسمى «عربيت». وتعتبر صلاة الصبح من أهم الصلوات ولا يسمح لليهودي ان يزاول اي عمل او يتناول اي طعام الا بعد صلاة الصبح وعند الصلاة لابد ان يكون اليهودي طاهراً ولا يبدأ الصلاة الا بعد غسل اليدين ويتحتم تغطية الرأس ووضع شال صغير على كتفية وشال كبير اذا كان يصلي جماعة في المعبد ويكون الشال ابيض مستطيلا ومربعاً.
كذلك لابد من لبس النعلين وتكون نصوص الصلاة التي تسمى الان عميدة بمعنى وقوف، وهذا النص عبارة عن تسع عشرة فقرة الثلاث الاولى عبارة عن تسابيح للرب وتعظيم الخالق جل جلاله وتمجيده لعظمته وقدرته والثلاث الاخيرة عبارة عن شكر على نعمة دعاء للسلام والفقرات ما بين هاتين الفقرتين عبارة عن توسلات وابتهالات تهتم باحتياجات الانسان المادية والروحية وتستبدل هذه التوسلات في أيام السبت وفي أيام الاعياد بما يناسب الاحتفال من نصوص ويتحتم على اليهودي الصلاة اذا بلغ الثالثة عشرة من عمره.
الدراسة تبحث الى جانب ذلك الصوم كنوع من الاذلال النفسي حيث يحرم التلمود على الصائم الغسل والعطر ولبس النعال ومجالسة النساء وكل ما يجلب لذة النفس.
كما يتناول المواسم والاعياد وما يستخدم فيها من لبس وطعام مع وصفه وفقا لطقوس معينة اضافة للاعياد التي اضيفت بعد عام 1948 والتي اصبحت طقساً دينياً.